تلخيص لكتاب مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي


مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي
د. علي سامي النشار
مقدمة عامة:
انتقال المنطق الأرسططاليسي إلى العالم الإسلامي:
اكتفى الباحثون في تاريخ الفكر الإسلامي بإشارة إلى أن عصر العباسيين هو نقطة بدئ معرفة المسلمين لفلسفة اليونان، كما أن أول ما عرف المسلمون من الفلسفة هو المنطق، وذلك يرجع كون الفتوحات التي تسودها الروح الهيلينيستية والتي شملت مصر والشام والعراق وفارس، حيث أدت الفتوحات إلى التزاوج بين الأمم المغلوبة والغزاة، وساعد على ذلك عدة عوامل منها: إعلان الإسلام أي التسوية التامة بين معتنقيه، كما أن الإسلام منفتح لكل داخل فيه، حيث اعتنق الإسلام ذوي حضارات سابقة وعادات مختلفة وعلى دراية بعلوم اليونان، وكانت حرية الفكر ميزة الحكم الإسلامي في البلاد المفتوحة.
على أية حال، لقد وصلت الفلسفة اليونانية خلال هذا التزاوج إلى العالم الإسلامي في عصر بني أمية، وما يلي الدلائل على ذلك:
‌أ)     ما ذكره ابن كثير: أن العلوم الفلسفية اليونانية دخلت إلى بلاد المسلمين في القرن الأول الهجري لما فتحوا بلاد الأعاجم، لكنها لم تنتشر.
‌ب) ما يثبت صلة علم المسلمين بفلسفة اليونان في القرن الأول هو احتكام المسلمين العلمي واتصالهم بآباء الكنيسة في الشام...ونقاشهم لعقائد المسيحيين... والدليل على ذلك: الآثار الرواقية في نقد المتكلمين الأول لمنطق أرسطو، والتراجم الإسلامية الأولى للأورجانون التي وصلت أو التي وصل إلينا أسماؤها على غرار الكتب المنطقية المسيحية.
‌ج)  أمر بعض العلماء اليونانيين الذين كانوا يقيمون بالإسكندرية بترجمة الأورجانون من اليونانية إلى العربية.
من هنا يتبين أن المسلمين عرفوا الفلسفة اليونانية في القرن الأول الهجري، وأول علم اعتني به هو المنطق و النجوم، حيث اشتهر ابن المقفع بتلخيص وترجمة الكتب اليونانية.
كما ان المسلمين اهتموا كذلك بالمدرسة الرواقية، حيث قال القفطي " إن في تقسيمحنين بن اسحاق وأبي نصر الفارابي لفرق الفلسفة إلى سبع فرق _ فرقة هي شيعة كرسبس، وهم أصحاب المظلة. سموا بذلك لان تعلمهم كان في رواق هيكل مدينة أثينية ".
فمن بين المصادر التي استمد منها المسلمون في منطق الشراح والملخصين وفي نقد الأصوليين والفقهاء الهدمي لمنطق أرسطو، حيث تتلخص المصادر فيما يلي:
1)   من المرجح أن يكون بعض الكتب الرواقية نقلت في العصر الأموي.
2)   عن طريق الإحتكاك العلمي والإتصال بالقسس في الكنائس وللرواقية أثر كبير على هذه المدارس.
3)   الكتابات الهرميسية والتي تحتوي على عدد كبير من الآراء الرواقية.
4)   عن طريق المتأخرين من شراح الأورجانون اليونان.
5)   كانت الكنائس الديصانية موطنا للآراء الرواقية وقد أثرت في النزعة الإسمية لدى هشام بن الحكم والنظام المعتزلي. 
كما عرف المسلمون ثيوفرسطس وأوديموس وعرفوا القضايا والأقسية الشرطية، أما عن الشراح المتأخرين فوصلت إلى المسلمين أبحاثهم وفيها أثر كبير للأفلاطونية الحديثة.
أما عن شروح اللاتين للمنطق الأرسططاليسي فلا يذكر مؤرخو الفلسفة الإسلامية شيئا عن ترجمتها للغة العربية، إلا أن بعض المخطوطات وجدت مترجمة للغة العربية.
ما أن لهذا الكتاب " مناهج البحث عند مفكري الإسلام " قيمة كبيرة للمؤلف كونه يثبت معرفة الإسلاميين لبعض الكتب اليو  نانية وترجمتها، ك ما ان المؤلف نفسه استند في التأليف على كتب يونانية واللاتينية مباشرة، وان الكاتب يحاول أن يبين ما أضيف إلى الأبحاث الأرسططاليسية من عناصر غير الأرسططاليسية .
الباب الثاني: موقف الأصوليين من المنطق الأرسططاليسي حتى القرن الخامس
الفصل الثالث: منطق الأصوليين مبحث الحد الأصولي :
الحد لدى المتكلمين يراد به التمييز بين المحدود وغيره وأنه يحصل بالخواص اللازمة التي تحتاج إلى ذكر الصفات المشتركة بينه وبين غيره، حيث يقول ابن تيمية أن المحققين من الأنظار يعلمون أن الحد فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته، كما ان الحد عند الأصوليين مرادف للمعروف وهو ما يميز الشيئ عن غيره والذي يسمى محدودا ومعرفا. حيث أن هناك إختلاف كبير في تعريف الحد وغايته عند الأصوليين والأرسططاليسيين، فإن المنطق الأرسططاليسي يعتبر الإقتصار على تمييز المحدود عن غيره دون تتميم حقيقته بمقوماته اخلالا بالحد.
فصعوبة التوصل إلى الحد إذن ناتجة من تعريف الحد الأرسططاليسي من أنه المعرفة للماهية، أما إذا كان قصد به التمييز غير الذاتي بين المحدود وغيره، كان في غاية السهولة.
كما أن طرق اكتشاف أن الحد هو التمييز بين المحدود وغيره عند المسلمين فراجع إلى الإستقراء والقسمة والبرهان والتركيب. 
109
الفصل الرابع: مباحث الاستدلال الإسلامية – القياس الأصولي - :
كانت مباحث الإستدلال الإسلامية منهاجا للبحث العلمي، استخدمها الأصوليين علماء الكلام وعلماء أصول الفقه، حيث صور بها الأولون حججهم واستنبط الآخرون بواسطتها أحكامهم، حيث نتقسم مصادر هذه المباحث إلى قسمين: القياس الأصولي وهو الذي توفرت مصادره ، والطرق الضعيفة. حيث أن القياس الأصولي يختلف عن التمثيل الأرسططاليسي في الجوهر وفي طريقة علاج أرسطو للتمثيل  وعرض المسلمين للقياس بالرغم من كونهما يبدوان كأنهما من طبيعة واحدة.
ون الثابث أن المسلمين توصلوا إلى فكرة القياس قبي أن ينقل إليهم المنطق الأرسططاليسي بكثير.  
كما أن أوجه الخلاف بينهما فيتبين فيما يلي:
·      اعتبر المتكلمين أن القياس الأصولي موصلا إلى اليقين أما التمثيل الأرسططاليسي فلا يفيذ إلا الظن.
·      الأصوليين أرجعو القياس إلى نوع من الإستقراء العلمي الدقيق القائم على فكرة العلية  وقانون الإطراد في وقوع الحوادث.
غير أنه ينبغي أن نلاحظ الأصوليين لم يقصروا صحة القياس الأصولي على ما كان فيه علة ، بل انقسموا في هذا إلى قسمين :
·      قسم يذهب إلى صحة القياس زهذا النوع من القياس ظني إلى أقصى حدود الظنية، ولا يمكن الاستناد إليه في البحث العلمي.
·      قسم يذهب إلى ضرورة وجود العلة بين الأصل والفرع أي أن يكون بينهما رباط علي لا عرضي.
1)  مناهج المسلمين في العلة:
إنقسم المسلمون في العلة إلى قسمين: المعتزل والأشاعرة، حيث أن المعتزلة يرون أن العلة وصف ذاتي لا يتوقف على  جعل جاعل فهي مؤثرة بذاتها، حيث يعبر المعتزلة عنها تارة بالمؤثور وطور بالموجب. كما ان تعريف الأشاعرة يتصل بمذهبهم الكلامي وهو شمول القدرة الإلهية، فليست العلة هي المؤثرة بذاتها ولكن ذلك التأثير بخلق الله.  
2) شروط العلة:
اشترط الأصوليين للعلة شروطا متعددة منها:
·      أن تكون العلة مؤثرة في الحكم لأن الحكم معلول لها فإن لم يكن لها تمت تأثير فيه خرجت عن العلة.
·      أن تكون العلة وصفا منضبطا غير مضطرب، أي ان يكون تأثيرها لحكمة مقصودة لا لحكمة مجردة لخفائها.
·      أن تكون العلة مطردة ويقصد بها كلما وجدت العلة في صورة من الصور وجد الحكم.
·      ان تكون العلة منعكسة أي كلما انتفت العلة انتفى الحكم أي تدور العلة مع الحكم عدما، فكلما اختفت اختفى.
3)  مسالك العلة:
وهي القوانين التي تحدد وجود الجامع بين الأصل والفرع، والمسالك او الأدلة تنقسم إلى قسمين أدلة نقلية وهي النص والإجماع وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وادلة عقلية وهي السير والتقسيم والمناسبة والشبه والطرد والدوران وتنقيح المناط، حيث ركز الكاتب على الأدلة التي سبق المسلمون فيها الأوربيون والتي تعتبر في نفس الوقف مظهرا من أهم مظاهر الحياة المنطقية لدى الأصوليين.
(‌أ)  السبر والتقسيم:
وهو أن يبحث الناظر عن معان مجتمعة في الأصل ويتبعها واحدا واحدا ويبين خروج آحادها عن صلاح التعليل به إلا واحدا يراه ويرضاه، كما هو حصر الأوصاف التي توجد في الأصل والتي تصلح للعلة في بادئ الرأي ثم إبطال ما لا يصلح منها فيتعين الباقي للعلية.
حيث كان الخلاف في الفرق بين السبر والتقسيم إلا أنه يوجد من العلماء من لم يفرق بينهما بل ثم اعتبارهم قاعدتين شاملتين لعملية الحصر وعملية الإبطال.
(‌ب)          الطرد:
وهو مقارنة الوصف للحكم في الوجود دون العدم ، بحيث لا يكون مناسبا ولا شبيها، على ان تكون هذه المقارنة في جميع الصور ما عدا الصورة المتنازع فيها.  
كما فسره البعض على انه حمل الفرع على الأصل بغير اوصاف الأصل من غير أن يكون لذلك الوصف تأثير في إثبات الحكم. كما أن الفرق بين الدوران والطرد هو أن الدوران مقارنة الوصف للحكم وجودا وعدما، والطرد مقارنته وجودا فقط.

(‌ج)          الدوران:
وهو ان يوجد الحكم بوجود الوصف ويرتفع بإرتفاعه، فيعلم أن هذا الوصف علة ذلك الحكم والوصف يسمى مدارا والحكم يسمى دائرا.
وينقسم الأصوليين في اعتبار الدوران موصلا إلى اليقين أو الظن أو لا يفيد يقينا ولا ظنا إلى اربعة أقسام:
 ¬          الدوران يفيد اليقين ويمثل هذا القسم أصوليو المعتزلة، كما أن بعض الأشاعرة قالوا بأنه إذا كثرت التجربة أفادت القطع أو اليقين.
 ¬          الدوران يؤدي إلى الظن مهما كثرت التجربة وذلك بشروط منها عدم المزاحمة والسلامة عن المعارض والتكرار.
 ¬          القسم الثالث يرى أن الدوران شرط في صحة العلية وليس دليلا على صحتها.
 ¬          يرى القسم الرابع على أن الدوران لا يدل على العلية.
(‌د)             تنقيح المناط:
فسر الزركشي التنقيح في اللغة التهذيب والتمييز والمناط هو العلة،  واصطلاحا أن يدل نص الظاهر على التعليل بوصف، فيحذف خصوصه عن الإعتبار، ويناط الحكم بالأعم، أو تكون أوصافه في محل الحكم، فيحذف بعضها عن الإعتبار بالاجتهاد ويناط الحكم بالباقي.
الفصل الخامس: الطرق الإسلامية الأخرى :
الطريق الأول: قياس الغائب على الشاهد:
وهو القياس الأصولي، فالمقيس - وال  ذي يقصد به الفرع – عليه عند المتكلمين هو الأصل عند الأصوليين، والجامع بينهما هو العلة عند الأصوليين، ويضيف المتكلمون إلى الجمع بالعلة الجمع بالشرط والدليل والحد والحقيقة.
حيث أن الجمع بالعلة عند المتكلمين فيمثلون له بأنه إذا كانت العالمية شاهدا فيمن له العلم معللة له بالعلم، وجب أن تكون ذلك في الغائب، هو أن العلة العقلية تتلازم مع معلولها ولا يجوز تقدير واحد منها دون الآخر.
 كما أن الجمع بالشرط فمثاله أنم العلم مشروط بالحياة شاهدا وغائبا، أي طرد الشرط شاهدا وغائبا.
أما الجمع بالدليل فيمثلون له بأن الحدوث والتخصيص والأحكام يدل على القدوة والإرادة والعلم شاهدا فيجب طرد ذلك غائبا، أي أنه يجب طرد الدليل شاهدا وغائبا،
أما الجمع بالحد والحقيقة فيمثلون له بأنهم إذا حدوا العالم في الشاهد بأنه من له العلم فيجب طرد الحد غائبا، وقد  اختلف المتكلمون في الحد والحقيقة، هل هما شيئ واحد أم شيئان مختلفان؟ حيث ينقد بعض المتقدمين من المتكلمين هذا الطريق ويبنون ضعفه وعدم إيصاله إلى اليقين ، حيث تتلخص أسباب ضعفه فيما يلي:
·      الجمع بالعلة باطل. لإنه لاعلة ولا معلول لدى الأشاعرة.
·      الجمع بالحقيقة باطل لأن العلم الحادث يخالف العلم القديم .
·      لأنه لا يفيد اليقين.
الطريق الثاني: إنتاج المقدمات النتائج:
وهو استخلاص النتيجة من المقدمة بحيث تكون المقدمة ضرورية والنتيجة نظرية، أو العكس ، فمثلا أن نقول : الجوهر لا يخلو من الحوادث التي لها أول، وهذه المقدمة نظرية لا يمكن التوصل إليها إلا بدقيق النظ. والنتيجة أن ما يخلو عن الحوادث التي لها أول فهو حادث، وهذه نتيجة ضرورية.
الطريق الثالث: الاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه:
يمثلون له بقياس الألوان على الأكوان في استحالة اعري الجواهر عليها ويقصد به بإلحاق المختلف فيه بالمجتمع المتفق عليه.


على سامي النشار



"
هو علي سامي بن أمين ، ينتمي إلى عائلة النشار الدمياطية.
-
ولد في مدينة القاهرة في اليوم السابع عشر من شهر يناير عام 1917م. ينتمي إلى أسرة مصرية شرقاوية دمياطية، أمه: وهيبة بنت عبدالرحمن النشار. وإخوانه: الأستاذ محمد، والمستشار حسن وصفي، والأستاذ سعد، والدكتورة همّت.
-
عادت أسرة النشار من القاهرة إلى دمياط، موطنها الأصلي، وابنها ما يزال صغيراً، فنشأ بها، وتلقى مراحل تعليمه الأولى فيها.
-
وفي عام 1935م أرسلته أسرته إلى القاهرة، ليكمل مراحل تعليمه في كلية الآداب بجامعة القاهرة، والتي كانت تسمى حينذاك بالجامعة المصرية.
-
وقيل إن النشار وجمال عبدالناصر أخوان من الرضاعة، وكانا صديقين حميمين، وقد أكدت ذلك ابنته الأستاذة منى.
-
وقد شارك النشار في ثورة يوليو 1952م، التي كانت بقيادة جمال عبدالناصر، وكان النشار مستشاراً في مجلس القيادة.
-
يقول الدكتور محمد عاطف غيث: "لم يكن النشار بعيداً عن ثورة يوليو 1952م، ولعل فكره وصداقته مع جمال عبدالناصر كانت رافداً مهماً من الروافد التي شكلت نظرة عبدالناصر وموقعه من الحركة الوطنية، ومستقبل مصر، وأبلغ دليل على ذلك ما كتبه عبدالناصر في الطبعة الأولى من كتابه (فلسفة الثورة)، حقاً لم يتابع علي سامي النشار مسيرة الثورة ممثلة في مجلسها الذي كان يعد مستشاراً له، لأسباب لا داعي للخوض فيها الآن، إلا أنه ظل مختلفاً ومخلصاً وصديقاً لعبدالناصر حتى وفاته، وإني على يقين من أن علي النشار لابد أن تُكتب عنه صفحات هامة عندما يُكتب التاريخ الحق لثورة 23 يوليو 1952م".
-
عاش النشار حياة حافلة بالعلم ؛ بحثاً وتأليفاً وتعليماً، وكانت آخر سنوات حياته في دولة المغرب، في مدينة الرباط، حيث كان أستاذاً في قسم الفلسفة بجامعة محمد الخامس، منذ عام 1973م، وكان يتمنى أن يعيش بقية حياته في المغرب، وقد تحقق له ما أراد.
وقد أصيب النشار في آخر حياته بمرض السرطان، وعندما اشتد به المرض، نُقل إلى مدينة القاهرة لتلقي العلاج فيها، فبقي في المستشفى سبعة عشر يوماً ثم وافته المنية لتكون وفاته في القاهرة في يوم 1/9/1980ن، وله من العمر ثلاث وستون سنة " .

التلخيص من إعداد الطالب: إسماعيل بهاء الدين


                                      

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملخص لكتاب: الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية. للدكتور أحمد الريسوني

ملخص لكتاب النص القرآني من تهافت القراءة إلى أفق التدبر